الاثنين، 19 مايو 2014

الاستعمار الفكري عند الدكتور سعود الدوسري



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فكثير من الكتاب المنتسبين للإسلام قد تم غزو عقولهم بالثقافة الغربية السائدة ، ولم يعودوا يرون لها سيئة ، وصاروا ينظرون لكل ما يخالفها من النصوص بسخط فإما التحريف وإما الإنكار ، وعلى ظلها صاروا يقرأون سير السلف والصالحين فيأخذون منها ما يوافقهم ، بل هكذا يقرأون النصوص

ومن أبرز هؤلاء الكتاب طارق السويدان ومحمد العوضي وغيرهم ممن ركبهم الشيطان الذي ركب عبد الله القصيمي ولكنه كان أصرح أو عجز التوفيق بين فكره وبين الشريعة فهاجم الشريعة وتنصل من الدين ، وصار يهاجم الدين بدعوى مهاجمة رجال الدين ( وهذا مصطلح كنسي )

طارق السويدان الذي يسخر ممن سلم عقله لعلماء عاشوا قبل قرون ، ولا يدري أنه سلم عقله للغرب وأنه مستعمر فكرياً لذا لا تخرج أفكاره عن إطار الموافقة لهؤلاء أو المعاندة للسلفيين ومحاولة استفزازهم أو إظهار أقوالهم على غير ما هي عليه حقيقة كما فعل محمد العوضي حين سمى اتباع نصوص السمع والطاعة تبريراً للظلمة والمستبدين ، وهذا مع كونه اعتراضاً على النبي صلى الله عليه وسلم الذي تكلم بهذه النصوص بدعوى الاعتراض على المشايخ هو أيضاً انعدام أمانة في نقل قول المخالف وتشويه أقرب إلى الكذب بل هو كذب صريح ، ولا أدري لماذا من يجوز السكوت على ضلالات أهل البدع بحجة المصلحة ، يضيق صدره بالصبر على جور الحاكم في باب الأموال من باب المحافظة على المصلحة الكبرى

وتسليم المرء عقله لأناس عاشوا قبل قرون وشهد لهم بالخيرية ( إن صح التعبير ) أمان من الهوى فإن أهواء الناس تكون ناشئة عن الحالة الاجتماعية التي يعيشوها والظروف المحيطة بهم ولذا تختلف أهواءهم باختلاف هذه الأمور ، فإذا اتبع المرء أناساً لم يعيشوا ظروفه الاجتماعية كان ذلك برهاناً على سلامته من الهوى

وقد قال الله تعالى : (  فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

ومن هؤلاء رجل يدعى سعود الدوسري ادعى أن حملات التبشير بالإسلام في كل مكان في العالم تلاقي عتاباً من الله عز وجل بقوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)

والكل يعلم أن رب العالمين نص في كتابه على أن هناك فئة يملأ قلوبها الزيغ تتبع ما تشابه من القرآن اتباع الفتنة واتباع تأويله

وعلامة تتبع المتشابه أن ينفرد الإنسان بفهم غريب للآية لم يسبقه إليه أحد من السلف ، وينظر للآية مفردة تكون إلى السياق وإلى النصوص الأخرى في الباب

فهذه الآية جاءت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الهداية بيد الله وحده وأنه صلى الله عليه وسلم ليس بيده هداية الناس هداية التوفيق وإنما يطالب بهداية الإرشاد

قال الله تعالى ( إنك لا تهدي من أحببت ) فهذه هداية التوفيق وهي بيد الله وحده

وقال تعالى ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) وهذه هداية الإرشاد

فهذه الآية كقوله تعالى ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )

وقوله تعالى : ( إنك لا تهدي من أحببت )

وقوله : ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً )

ولم يفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة التوقف عن الدعوة للإسلام بل استمر بعد هذه السورة وهي مكية ، ولكنه يدعو فإذا لم يقبل أحد لا يحزن عليه إذا هو بذل ما أمر الله به لعلمه أن أمر الهداية بيد الله عز وجل

قال الله تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

فهذه دعوة إلى ما يسميه الدسوري بالتبشير

وقال تعالى : ( وقولوا للناس حسناً ) يعني شهادة أن لا إله إلا الله

وكل آيات الجهاد في هذا السياق وكلها نزلت بعد الآية المذكورة فلو كان فهم الدوسري صحيحاً لكان من المعلوم بضرورة العلم أن الآية منسوخة

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )

ويا ليت شعري أي شيء نقدمه للبشرية أعظم من أن نخرجهم من الظلمات إلى النور ، وندلهم على سبب وجودهم وعلى طريق السعادة الأبدية 

فأي قلب مريض هذا الذي يضيق بانتشار الدعوة للإسلام  

 فهذا الفهم من الدوسري الذي وضع رتبته العلمية كنوع من الإرهاب للطرف المقابل فهم سقيم يدل على هوى تمكن من القلب

ومن جهل هذا الدوسري أن العريفي اعترض على تصدق بعضهم بتمر رديء للمسجد وأن الرجل الذي تصدق بهذا التمر يستحي أن يقدمه لضيوفه

فجاء اعتراض الدوسري بأن العبرة بالنية وأن الظواهر لا تهم

وهذا كلام من يحب الاعتراض فقط فمع كوننا نعد العريفي من المفسدين الكبار إلا أنه لكلامه وجهاً

قال الله تعالى : (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 2843- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، ثنا عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،"فِي قَوْلِهِ:  " وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ "  , يقول: لا تَعْمِدُوا لِلْحَشَفِ مِنْهُ تُنْفِقُونَ".
2844- حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا يَحْيَى، أنبأ جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ،"فِي هَذِهِ الآيَةِ:  " وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ "  , قال: كَسْبُ الْمُسْلِمِ لا يَكُونُ خَبِيثًا، وَلَكِنْ لا تَصَدَّقُ بِالْحَشْفِ وَالدِّرْهَمِ الزَّيفِ، وَمَا لا خَيْرَ فِيهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ".

وقال الطبري في تفسيره :" الرديء، غير الجيد، يقول: لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد"

وقال الإمام أحمد في الزهد 2215- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إِذَا جَعَلَ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَلاَ يَجْعَلْ لَهُ مَا يَسْتَحِي أَنْ يَجْعَلَهُ لِكَرِيمِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اخْتِيرَ لَهُ.

فهذا الأثر الصحيح عن عروة بمعنى ما قال العريفي ، ولا يقال أن هذا اهتمام بالمظاهر فإن المظاهر هنا تدل على البواطن ونية الإنسان لا علم لنا بها وكل يزعم أن نيته طيبة ، وبعض الناس يحمله ما يجد في صدره على العريفي على الموافقة على مثل هذه الاعتراضات السمجة ، أو على الأقل عدم قول كلمة الحق والله المستعان

وهذا الاعتراض نظير اعتراض عدد من الجهلة منهم عبد الله القصيمي ومحمد الغزالي وغيرهم على الأحاديث الواردة في فضل الفقر وهذه صحيحة متواترة المعنى منكرها كافر ( وليس الكفر بإنكار الأحاديث حكراً على القذافي وحده كما هو منهج السفلة ) 

وقد أتوا من جهلهم فإن الشريعة الإسلامية فيها نصوص كثيرة في الحث على مواساة الفقير وفريضة الزكاة وتوابعها أدل دليل على ذلك ، وفيها الحث على الاكتساب وقد جمع الخلال في ذلك كتابه النفيس الحث على التجارة والصناعة ، وجاءت أخبار كثيرة في ذم سؤال الناس

ولا يعارض هذا ما ورد في فضل الفقر ، فإن الفقر يشبه المرض من وجه من الناس من يستطيع أن يزيله بإذن الله ومن الناس من لا يسطيع أن يزيله

وهذا الذي لا يستطيع أن يزيله يقبع تحت ابتلاء هو مأمور بالصبر عليه فجاءت هذه النصوص في بيان أجره إن صبر

فإن المرء الفقير معرض لآفات عدة منها الحسد للأغنياء ومنها طلب الغنى بوسائل غير شرعية كالرشوة أو السرقة أو قطع الطريق ومنها وهي الخطر عدم الرضا بما قسم الله عز وجل والتسخط فجاءت هذه النصوص وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الفضل العظيم إن هو صبر على الفقر ولم يقع في شيء من هذه

وقد دمرت الكثير من المجتمعات بسبب سخط الفقراء على الطبقات الأعلى منهم وكانوا هم وقود ثورات يتحول فيها المظلوم إلى ظالم ، وتسود الرغبة في الانتقام التي تكونت بسبب حسد تلجن في الصدر سنين

والقدر المطلوب في طلب الرزق هو الاستغناء عما في أيدي الناس وما زاد على ذلك فهو فضول وكم جر طلب الغنى والشغب بالمال على الناس من ويلات ، وكم من حروب ونزاعات وكم ظلم من مسكين في هذا السياق والله المستعان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم