الأحد، 13 أبريل 2014

رد الإمام ابن تيمية على من وصف تفاسيرالبحر ابن عباس بالاسرائيليات



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في بيان تلبيس الجهمية (6/448_ 451) :" وأيضاً فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي ، وإنما يقال توقيفاً ، ولا يجوز أن يكون مستند ابن عباس أخبار أهل الكتاب ، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم ، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم ، أو تكذيبهم .

فعلم أن ابن عباس إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم

ففي صحيح عن البخاري عن ابن شهاب  عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} أَفَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } الْآيَةَ


فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ عن أهل الكتاب ، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم "

أقول : هذا الكلام النفيس يبطل ما فشى بين الناس من وصف تفاسير ابن عباس بالاسرائيليات ، وذلك كثير في تفسير ابن كثير تلميذ ابن تيمية

فهذا الذي قاله ابن تيمية هنا ينطبق على تفسير ابن عباس الذي قال فيه أن إبليس من الملائكة ( ووافقه ابن مسعود )

وينطبق على قوله في ذكر قصة هاروت وماروت وأنهما ملكان ( وقد وافقه علي وابن عمر )



وينطبق على تفسيره لهم يوسف

وينطبق على تفسيره لقوله تعالى ( وألقينا على كرسيه جسداً )

وغيرها من التفاسير

فإنه يقال في هذه كلها أن ابن عباس لا يقول في هذه بالرأي وكيف يجزم بالخبر ومستنده أخبار أهل الكتاب وقد أمرنا ألا نصدقهم ولا نكذبهم فكيف يجزم بالخبر الذي لا يصدق ولا يكذب ويفسر به القرآن

وأين بقية الصحابة لا ينكرون ؟

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (6/445) :" وأيضاً فإن الله وصف هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس ، وأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فمن الممتنع أن يكون في عصر التابعين يتكلم أئمة ذلك العصر بما هو كفر وضلال ولا ينكر عليهم أحد فلو كان قوله ( على صورة الرحمن ) باطلاً لكانوا كذلك "

أقول : وكذلك لا يجوز في عصر الصحابة والتابعين أن يتكلم أحد بما لا يليق بالأنبياء أو الملائكة ولا ينكر عليه أحد فإن ذلك ممتنع ، وذلك نظير كلام سعيد بن جبير وغيره بقصة الغرانيق التي ينكرها بعض المتأخرين

وما قاله ابن تيمية هنا ينطبق على أثر عبد الله بن عمرو ( خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ) ، وأثر مجاهد في المقام المحمود وأثر عبيد بن عمير في قوله تعالى (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ)

فآمن يا أخي بهذه الآثار فإن رب العالمين خاطب الصحابة بقوله (  فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

وعليك بآثار السلف وإياك وكلام الخلف وإن زخرفوه لك بالقول فمنهجهم أعلم وأسلم وأحكم وهم أعلم يما يليق وما لا يليق وإذا رددت آثارهم فأنت راد على النبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر فإن لها حكم الرفع كما شرح لك شيخ الإسلام

وراد لما دلت عليه النصوص القطعية فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة وأن القرون الأولى خير القرون

فإذا كان من تقدم يفسر القرآن ببواطيل اليهود ومن تأخر يتنبه لذلك وينكره فمن تأخر هو الأفضل ولا شك وهذا ممتنع

وما يقال في ابن عباس من البعد عن الاسرائيليات يقال في تلاميذه مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير الذين أخذوا علمهم عنه

وكلام ابن تيمية الذي بنيت عليه المقال في كتاب من أواخر كتبه وأكثرها تحريراً فإن وجد في كلامه ما يخالف هذا يكون الكلام السابق حاكماً عليه على أنه أشار لهذا المعنى في مقدمة التفسير ونقلت نصه في مقدمة آثار ابن عباس 

وقال ابن الوزير اليماني في إيثار الحق في بيان منزلة تفاسير ابن عباس :"  أما مَرَاتِب الْمُفَسّرين فَخَيرهمْ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لما ثَبت من الثَّنَاء عَلَيْهِم فِي الْكتاب وَالسّنة ولان الْقُرْآن أنزل على لغتهم فالغلط أبعد عَنْهُم من غَيرهم ولانهم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله عَمَّا أشكل عَلَيْهِم وَأَكْثَرهم تَفْسِيرا حبر الامة وبحرها عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقد جمع عَنهُ تَفْسِير كَامِل وَلم يتَّفق مثل ذَلِك لغيره من الصَّدْر الأول الَّذين عَلَيْهِم فِي مثل ذَلِك الْمعول وَمَتى صَحَّ الاسناد اليه كَانَ تَفْسِيره من أصح التفاسير مقدما على كثير من الائمة الجماهير وَذَلِكَ لوجوه أَولهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله دَعَا لَهُ بالفقه فِي الدّين وَتَعْلِيم التَّأْوِيل أَي التَّفْسِير كَمَا تقدم تَقْرِيره فِي الْكَلَام على الْمُتَشَابه وَصَحَّ ذَلِك واشتهر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله طرق فِي مجمع الزَّوَائِد وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود فِي أَطْرَافه انه مِمَّا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم بِكَمَالِهِ وَفِيهِمَا من غير طَرِيق أبي مَسْعُود عِنْد سَائِر الروَاة اللَّهُمَّ علمه الْكتاب وَالْحكمَة وَفِي رِوَايَة اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ أَنه رأى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مرَّتَيْنِ ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحكمة مرَّتَيْنِ وَيَنْبَغِي معرفَة سَائِر مناقبه مَعَ ذَلِك فِي موَاضعهَا وَلَوْلَا خوف الاطالة لذكرتها
وَثَانِيها أَن الصَّحَابَة اتَّفقُوا على تَعْظِيمه فِي الْعلم عُمُوما وَفِي التَّفْسِير خُصُوصا وسموه الْبَحْر والحبر وشاع ذَلِك فيهم من غير نَكِير وَظَهَرت إِجَابَة الدعْوَة النَّبَوِيَّة فِيهِ وقصة عمر مَعَه رَضِي الله عَنْهُمَا مَشْهُورَة فِي سَبَب تَقْدِيمه وتفضيله على من هُوَ أكبر مِنْهُ من الصَّحَابَة وامتحانه فِي ذَلِك
وثالثهما كَونه من أهل بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وَسَتَأْتِي الاشارة إِلَى مناقبهم الغزيرة فِي آخر الْمُخْتَصر فَيكون الْمُعظم لَهُ والموفى لَهُ حَقه فِي ذَلِك قد قَامَ بِحَق الثقلَيْن وَعمل بِالْوَصِيَّةِ النَّبَوِيَّة فيهمَا
ورابعهما أَنه ثَبت عَنهُ إِن كَانَ لَا يَسْتَحِيل التَّأْوِيل بِالرَّأْيِ روى عَنهُ أَنه قَالَ من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَفِي رِوَايَة بِغَيْر علم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْعلم وَالنَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَالتِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير وَقَالَ حَدِيث حسن وَشَرطه فِيمَا قَالَ فِيهِ حَدِيث حسن ان يَأْتِي من غير طَرِيق
وخامسها أَن الطّرق اليه مَحْفُوظَة مُتَّصِلَة غير مُنْقَطِعَة فصح مِنْهَا تَفْسِير نَافِع ممتع وَلذَلِك خصصته بِالذكر وَإِن كَانَ غَيره أكبر مِنْهُ وأقدم وَأعلم وَأفضل مثل عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام من جنسه وَأَهله وَغَيره من أكَابِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَكِن ثُبُوت التَّفْسِير عَنْهُم قَلِيل بِالنّظرِ اليه رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم