الخميس، 10 أبريل 2014

من نفائس شيخ الإسلام : الأشاعرة ذموا السلف بأكثر مما ذمهم به الرافضة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

قال ابن تيمية في التسعينية (2/694) وهو يخاطب الجهمية الأشعرية :" ومن المعلوم بالاضطرار أن السلف الذين أجمع على إمامتهم في الدين ذموهم على ذلك ، فأنتم ذامون للسلف الذين أجمع المسلمون على إمامتهم وأنتم عند السلف وأئمة الدين مذمومون وأنتم بذلك من جنس الرافضة والخوارج ونحوهم ممن يقدح في سلف الأمة وأئمتها ، وهذا حق فإن قول هؤلاء من فروع قول الجهمية ، وقول الجهمية فيه من التنقص والسب والطعن على السلف والأئمة ، وعلى السنة ما ليس في قول الخوارج والروافض ، فإن الخوارج يعظمون القرآن ويوجبون اتباعه ، وإن لم يتبعوا السنن المخالفة لظاهر القرآن ، وهم يقدحون في علي وعثمان ومن تولاهما وإن لم يقدحوا في أبي بكر وعمر .
أما الجهمية فإنها لا توجب ، بل لا تجوز اتباع القرآن في باب صفات الله ، كما يصرحون به كالرازي "

أقول : في هذا النص عدة فوائد نفيسة

الأولى : أن الأشاعرة يخالفون السلف في باب الصحابة خلافاً لمن ادعى أنهم وافقوا السلفيين في ذلك ، فإنهم طعنوا في عقيدة السلف وزعموا أنهم لم يتكلموا بالتوحيد بما فيه شفاء ونور وهداية

الثانية : أنهم طعنوا بالسلف أعظم من طعن الرافضة الأوائل الذين طعنوا في بعض الصحابة ، فإن الأشاعرة زعموا أن الصحابة لا يعرفون التوحيد

والرافضي اسم جامع لكل من شتم الصحابة ولو صحابياً واحداً 

 وقد صرح العز بن عبد السلام أن عامة الصحابة كانوا على التجسيم وكذا عرض ابن الجوزي

قال ابن الجوزي في صيد الخاطر ص116 : "من أضر الأشياء على العوام كلام المتأولين والنفاة للصفات والإضافات. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الإثبات، ليتقرر في أنفس العوام وجود الخالق، فإن النفوس تأنس بالإثبات، فإذا سمع العامي ما يوجب النفي، طرد عن قلبه الإثبات، فكان أعظم ضرر عليه، وكان هذا المنزه من العلماء -على زعمه- مقاومًا لإثبات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمحو، وشارعًا في إبطال ما يفتون به.

وبيان هذا: أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده:
قال تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ . وقال تعالى: ﴿يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ . وقال: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾
 وأخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا.
وقال: "قلوب العباد بين أصبعين"
 وقال: "كتب التوراة بيده". "وكتب كتابًا فهو عنده فوق العرش". إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
فإذا امتلأ العامي والصبي من الإثبات، وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس، قيل له: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾فمحا من قلبه ما نقشه الخيال، وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة.
 ولهذا أقر الشرع مثل هذا، فسمع مُنْشِدًا يقول: "وفوق العرش رب العالمينا" فضحك.

وقال له آخر: أو يضحك ربنا؟ فقال: "نعم". وقال: "أنه على عرشه هكذا"، كل هذا ليقرر الإثبات في النفوس!

وأكثر الخلق لا يعرفون الإثبات إلا على ما يعلمون من الشاهد، فيقنع منهم بذلك، إلى أن يفهموا التنزيه.
 ولهذا صحح إسلام من انفتل بالسجود.
 فأما إذا ابتدئ بالعامي الفارغ من فهم الإثبات، فقلنا: ليس في السماء! ولا على العرش! ولا يوصف بيد! وكلامه صفة قائمة بذاته، وليس عندنا منه شيء! ولا يتصور نزوله: انمحى من قلبه تعظيم المصحف، ولم يتوضع في سره إثبات إله. وهذه جناية عظيمة على الأنبياء، توجب نقض ما تعبوا في بيانه، ولا يجوز لعالم أن يأتي إلى عقيدة عامي قد أنس بالإثبات فيهوشها، فإنه يفسده، ويصعب صلاحه.

فأما العالم، فإنا قد أمناه؛ لأنه لا يخفى عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يكون استوى كما يعلم، ولا يجوز أن يكون محمولًا، ولا أن يوصف بملاصقة ومس، ولا أن ينتقل، ولا يخفى عليه أن المراد بتقليب القلوب بين إصبعين الإعلام بالتحكم في القلوب، فإن ما يديره الإنسان بين إصبعين هو متحكم فيه إلى الغاية، ولا يحتاج إلى تأويل من قال: الإصبع الأثر الحسن، فالقلوب بين أثرين من آثار الربوبية، وهما: الإقامة، والإزاغة. ولا إلى تأويل من قال: يداه: نعمتاه؛ لأنه إذا فهم أن المقصود الإثبات، وقد حدثنا بما نعقل، وضربت لنا الأمثال بما نعلم، وقد ثبت عندنا بالأصل المقطوع به أنه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس، علمنا المقصود بذكر ذلك".

فتأمل كيف يصرح أن هناك عقيدتان ، عقيدة للعوام ( الجمهور ) وعقيدة ( للعلماء ) ، فالعالم عنده لا يخفى عليه ( استحالة تجدد صفة الله عز وجل ) ( يعني استحالة الصفات الفعلية ) واستحالة أن يكون على شيء أو أن يمس شيء خلافاً لظواهر النصوص !

وأما العوام فنقرهم على ( المستحيل ) لأنهم لا يفهمون إلا الإثبات ! وابن الجوزي قد ناقض نفسه فصنف كتاباً أسماه ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) صرح فيه بتأويل الصفات ، والكتاب يقرؤه العامي والعالم !

ونحو من كلام ابن الجوزي قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام( 1/202 ) : "وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العامي ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه ،وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين , ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين , ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه".

فهنا العز بن عبد السلام يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون كانوا يقرون الناس على التجسيم ، ويا ليت شعري ألا يسعك ما وسعهم فلا تتكلم بتعطيلك البتة.

والعجيب أنه لم يؤثرلا كلمة واحدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن علماء الصحابة في نصرة مذهب المعطلة ، وهم يعترفون بذلك ولا شك أن الناس في زمنهم لم يكونوا كلهم أعراب ، بل كان الغالب على الناس رجاحة العقل وسداده ومع ذلك تركوا الناس ولم يذكروا التعطيل، مما يدل على بطلانه ، وإذا كان الناس في زمن السلف لم تستوعب عقولهم -على زعم العز- عقيدة التنزيه فهل يستوعبها الناس اليوم !

وللقرطبي ( صاحب المفهم وليس صاحب التفسير ) كلام نحواً من كلام العز وابن الجوزي
 قال ابن حجر في شرح البخاري (20/ 491) :" وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : أَصْل وَضْع الشَّخْص يَعْنِي فِي اللُّغَة لِجِرْمِ الْإِنْسَان وَجِسْمه ، يُقَال شَخْص فُلَان وَجُثْمَانه ، وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلّ شَيْء ظَاهِر ، يُقَال شَخَصَ الشَّيْء إِذَا ظَهَرَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى فَوَجَبَ تَأْوِيله ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا مُرْتَفِع ، وَقِيلَ لَا شَيْء ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْأَوَّل ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ لَا مَوْجُود أَوْ لَا أَحَد وَهُوَ أَحْسَنهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ؛ وَكَأَنَّ لَفْظ الشَّخْص أُطْلِقَ مُبَالَغَة فِي إِثْبَات إِيمَان مَنْ يَتَعَذَّر عَلَى فَهْمه مَوْجُود لَا يُشْبِه شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَات ، لِئَلَّا يُفْضِي بِهِ ذَلِكَ إِلَى النَّفْي وَالتَّعْطِيل ، وَهُوَ نَحْو قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَارِيَةِ " أَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء " فَحَكَمَ بِإِيمَانِهَا مَخَافَة أَنْ تَقَع فِي التَّعْطِيل لِقُصُورِ فَهْمهَا عَمَّا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ تَنْزِيهه مِمَّا يَقْتَضِي التَّشْبِيه ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا".

سبحان الله ! ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( مؤمنة ) وهو يقول ( قاصرة الفهم عن التنزيه ) ، ويزعم أن النبي أقرها على التشبيه مخافة أن تقع في التعطيل ، فنسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإقرار على الباطل ! بل الإقرار على الكفر والله المستعان ، والعجيب أن ابن حجر ينقل هذا الكلام ولا يتعقبه، مع أنه قد قرر في آخر شرح البهاري أنه لا يجوز استخدام الإشارة الدالة على تحقيق الإثبات أمام العامة لئلا يقعوا في التشبيه.

وابن حجر طعن في الجارية ووصفها بأنها لا تفهم التوحيد والتجسيم

قال ابن حجر في شرح البخاري (20/444) :"  وَلَوْ قَالَ مَنْ يُنْسَب إِلَى التَّجْسِيم مِنْ الْيَهُود لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي فِي السَّمَاء لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ ، إِلَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْقَهُ مَعْنَى التَّجْسِيم فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّة الْجَارِيَة الَّتِي سَأَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ مُؤْمِنَة ، قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ فَأَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء ، فَقَالَ أَعْتِقهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم"

فأين الحمية على العقيدة وعلى الصحابة ؟



فإن قلت : ما الإشارة الحسية الدالة على الإثبات التي أنكرها الأشعرية الجهمية  ؟

قلت لك : قال أبو داود في سننه 4728 - حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائي المعنى قالا أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرىء ثنا حرملة يعني ابن عمران حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ إلى قوله تعالى ﴿سميعا بصيرا﴾، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه قال أبو هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرؤها ويضع إصبعيه قال ابن يونس قال المقري يعني إن الله سميع بصير يعني أن لله سمعا وبصرا
قال أبو داود وهذا رد على الجهمية.

فإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينيه عند قوله بصيراً ، وإلى أذنيه عند قوله سميعاً يدل على تحقيق الصفة ولا يدل على التشبيه فإن مما استقر في نفوس الناس أن صفة الخالق غير صفة المخلوق.

هذه الإشارة الحسية مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها منع منها الحافظ ، وهنا يقف الأشعري في حيرة (هل نقر الناس على التشبيه أم لا نقرهم الكلام متضارب)

وما أحسن ما نقله ابن تيمية عن ابن عقيل

قال ابن تيمية في درء التعارض (8/48) :" وسأل رجل ابن عقيل فقال له هل ترى لي أن أقرأ الكلام فإني أحسن من نفسي بذكاء فقال له إن الدين النصيحة فأنت الآن على ما بك مسلم سليم وإن لم تنظر في الجزء يعني الجوهر الفرد وتعرف الطفرة يعني طفرة النظام ولم تخطر ببالك الأحوال ولا عرفت الخلاء والملاء والجوهر والعرض وهل يبقى العرض زمانين وهل القدرة مع الفعل أو قبله وهل الصفات زوائد على الذات وهل الاسم المسمى أو غيره وهل الروح جسم أو عرض فإني أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا ذلك ولا تذاكروه فإن رضيت أن تكون مثلهم بإيمان ليس فيه معرفة هذا فكن وإن رأيت طريقة المتكلمين اليوم أجود من طريقة أبي بكر وعمر والجماعة فبئس الاعتقاد والرأي"
 

وهنا لفتة هامة : إذا قلت بأن نفاة العلو معذورين مع إخلاصهم وطلبهم للحق وسعة علمهم فهم ( الحافظ ) و ( الإمام ) ، فقد اتهمت النصوص بالقصور عن حاجة الخلق ، فإذا كان العالم المخلص تبلغه النصوص فلا تهديه في مسائل معلومة من الدين بالضرورة وأدنى شبهة كلامية تبدد دلالات النصوص القطعية ، وليس هذا في عالم أو عالمين زعموا ،  فهذا طعن في النصوص وإحسان للظن بالمخلوق !

فتأمل هذا !

وتأمل كيف نقل ابن تيمية نقل إجماع أئمة الدين على ذم الأشعرية الجهمية ، فمن أثنى عليهم فليس من أئمة الدين فضلاً عمن اعتقد اعتقادهم وإلا كان الحكم بإمامة الأشعرية نقض لكلام ابن تيمية
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم