الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الحث على الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
 
                  
فاعلم أخي رحمك الله ، أن من أجل العبادات التي يتعبد بها المرء لله عز وجل عبادة محبة الخير لأهل الإيمان
قال البخاري في صحيحه 13 : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.

ومن أجل ما يحبه المرء لنفسه أن يغفر الله عز وجل له ذنوبه التي هي سبب تعرضه ، لأخطر ما يتعرض له بشر وهو عذاب الله عز وجل

ومن ذلك كان الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، من تحقيق تلك المحبة

واعلم وفقك الله من أن من يقر مسلماً على بدعة أو معصية فإنه لا يحب له الخير ، بل من ينكر عليه ويتبع الوسائل الشرعية في علاج المنكر هو من يحب الخير لإخوانه ، فالعقوبات الشرعية بمنزلة الأدوية كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية

واعلم هداني الله وإياك أن الاستغفار للؤمنين والمؤمنات هو هدي أولي العزم من الرسل

قال الله تعالى عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)

وقال الله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)

وقال الله تعالى آمراً نبينا صلى الله عليه وسلم ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )

وتأمل النكتة من تخصيص هؤلاء الثلاثة بذكر الاستغفار للمؤمنين ، وهي أن نوحاً عليه الصلاة والسلام هو أبو من جاء بعده من البشر ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أبو الأنبياء وإليه يرجع العرب والعجم واليهود ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كالوالد لأمته وهو أرحم الخلق بالخلق

وعادة الأب أن يكون حانياً عطوفاً على أبنائه ، إذا دعا لهم انتقى أنفع الدعاء فيما يرى هو ، ولهذا كان من دعاء هؤلاء الرسل الثلاثة الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات لأن الذنوب هي سبب فساد الحال في الدنيا والآخرة ، ومغفرتها سبب زوال ذلك الفساد

وتأمل كيف أن نوحاً وإبراهيم عليهما السلام حكي ذلك من قولهما ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بذلك ليكون أمراً لأمته من بعده ، ولا شك أنه امتثل

قال الترمذي في جامعه 3259: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وهذا من عظيم رحمة الله عز وجل ، إذ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لنا ، فالله عز وجل يحب أن يغفر ، ويحب أسباب المغفرة

ومظاهر الرحمة في الشرع كثيرة جداً

فمن رحمته بنا سبحانه وتعالى قوله ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)

فلأنه سبحانه وتعالى أرحم بنا من آبائنا ، أوصى آباءنا بنا فالموصي لا يكون إلا أرحم من الموصى له ، وكم من والد حاف في الوصية وظلم ، والله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة ، فنحن بين رحمته وحكمته سبحانه وتعالى

ومن عظيم رحمته بنا أن جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وهو يضاعف لمن يشاء ، والسيئة بمثلها ، ولو شاء سبحانه وتعالى لجعل الحسنة بمثلها والسيئة بمثلها

ومن عظيم رحمته بنا أن جعل الصلوات خمس في العدد خمسون في الأجر ، ثم جعل صلاة الجماعة بخمس وعشرين ضعفاً ، ولو شاء جعلها خمساً في الأجر ، وما ضاعف أجر صلاة الجماعة هذه المضاعفة

ومن عظيم رحمته أن جعل كفارات الذنوب كثيرة ، أكثر من محبطات الأعمال

ومن عظيم رحمته أنه - عز وجل - جعل المصائب كفارات وما اشترط لذلك احتساباً ، ولو شاء ما جعلها كفارات

ومن عظيم رحمته أنه - سبحانه وتعالى - جعل دائرة المباحات أوسع بكثير من دائرة المحرمات ، ولو شاء لساواهما

ومن عظيم رحمته أنه- عز وجل - دلنا على مواطن استجابة الدعاء ، ولو شاء لعميت علينا ولم نعرفها ، بل هو سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول ( هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له ) ، ولو شاء لم يفعل

ومن عظيم رحمته أنه سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على بني آدم ( ألست بربكم ) ، ثم أودع فيهم الفطرة ومع ذلك ما اكتفى سبحانه بالميثاق بل قال سبحانه ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )

وما عذب كافراً قط حتى أعذر له وقد قال الله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، فرأي جماعة من أهل العلم أنها على عمومها ، وأنه رحمة للكافرين لأنه بعد بعثه لا يهلك الكافرين عامة بعذاب كما حصل في الأمم السابقة

بل الكافر مع عتوه وفجوره وسبه لرب العالمين يجزيه سبحانه بحسناته في الدنيا ولا يظلمه مثقال ذرة

قال مسلم في صحيحه 7191- [56-2808] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.

ومظاهر الرحمة والحكمة في التشريعات كثيرة جداً ، والمراد هنا التنبيه على أصل المسألة

وعوداً على مسألة الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، فبعد أن علمت أن هذا هدي نبوي ، فهذا صنيع الملائكة أيضاً

قال الله تعالى : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (1/109) :" وسمعته - يعني الوزير ابن هبيرة - يقول في قوله تعالى: " فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك " ، قال: علمت الملائكة أن اللّه عز وجل يحب عباده المؤمنين، فتقربوا إليه بالشفاعة فيهم. وأحسن القرب أن يسأل المحب إكرام حبيبه، فإنك لو سألت شخصًا أن يزيد في إكرام ولده لارتفعت عنده، حيث تحثه على إكرام محبوبه"

وكذا ينبغي أن يكون دأب الصالحين

قال مسلم في صحيحه 7027- [86-2732] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْوَكِيعِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ : وَلَكَ بِمِثْلٍ.

قال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد 575: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي الصُّنَابِحِيّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَقُولُ : إِنَّ دُعَاءَ الأَخِ لأَخِيهِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُسْتَجَابُ.

ولا أحب لأهل الإيمان من مغفرة ذنوبهم ورضا الله عز وجل

قال أبو نعيم في الحلية (10/113) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الضَّحَّاكِ الْخَشَّابَ، يَقُولُ وَكَانَ مِنَ الْبَكَّائِينَ: " رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ شُرَيْحَ بْنَ يُونُسَ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ قَصْرِي إِلَى جَنْبِ قَصْرِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَنْتَ عِنْدَنَا أَكْبَرُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ ذَاكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ حَظًّا فِي عَمَلِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا دَعَا اللَّهَ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْكَائِنِينَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ "

وهذا إسناد قوي ، فتأمل كيف بلغ هذا الرجل هذه المنزلة باستغفاره للمؤمنين والمؤمنات


وقال الطبراني في مسند الشاميين 2109 : حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح ، ثنا عبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني ، ثنا موسى بن أعين ، عن بكر بن خنيس ، عن عتبة بن حميد ، عن عيسى بن سنان ، عن يعلى بن شداد بن أوس ، عن عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة .

وهذا إسناد ضعيف فيه عيسى بن سنان القسملي قال فيه في التقريب :" لين الحديث " وقال الذهبي :" ضعيف ولم يترك "


وفيه بكر بن خنيس عامة الأئمة على تضعيفه وقال ابن حبان :" روى عن البصريين و الكوفيين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها "
وهذا من روايته عنهم

وله شاهد بلفظ آخر ( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز وجل عليه من آدم فما دونه )رواه ابن بشران من حديث أنس بن مالك استنكره البخاري وابن عدي والذهبي

فهذا الحديث ضعيف ، وصحة معنى الحديث لا تعني صحة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نبهت عليه لشهرته بين الناس
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم