الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

الكلام على حديث : ( من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

                   
فقد روي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
 من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا.
وقد رواه عنه اثنان
أ - عبد الله بن عياش وقد اختلف عليه فيه في الوقف والرفع
فرواه عنه مرفوعاً
1- زيد بن الحباب وحديثه عند ابن ماجة ( 3242) والحاكم ( 3468) والبيهقي ( 19485)
2- عبد الله بن يزيد المقريء وحديثه أحمد (8256)
3- يحيى بن سعيد العطار وحديثه عند الجصاص في أحكام القرآن (5/86) وذكره الدارقطني في العلل معلقاً جازماً به وسيأتي نقل كلام الدارقطني

ورواه عنه موقوفاً
1- عبد الله بن وهب وحديثه عند الدارقطني في السنن ( 4805) وقد خالف من رفعه في السند فرواه عن عبد الله بن عياش عن عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الأنصارى عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة به موقوفاً

وفي السند إليه كلام - أعني ابن وهب -  فقد رواه عنه ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن وفي حديثه كلام قد لا ينزل به عن رتبة الإحتجاج ولكننا هنا في مقام مخالفة غير أن ابن عبد البر في التمهيد (23/190) أفاد أن ابن وهب روى هذا الحديث في موطئه عن ابن عياش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفاً

2- جعفر بن ربيعة
قال البيهقي في سننه تحت حديث (19485) :" بلغنى عن أبى عيسى الترمذى أنه قال الصحيح عن أبى هريرة موقوف قال ورواه جعفر بن ربيعة وغيره عن عبد الرحمن الأعرج عن أبى هريرة موقوفا وحديث زيد بن حباب غير محفوظ قال الشيخ رحمه الله وكذلك رواه عبيد الله بن أبى جعفر عن الأعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه موقوفا وابن وهب عن عبد الله بن عياش عن الأعرج عن أبى هريرة رضى الله عنه موقوفاً "

وزيد بن الحباب لم ينفرد برواية الرفع كما تقدم شرحه

ب - عبيد الله بن أبي جعفر فقد اختلف عليه في الوقف والرفع أيضاً

فرواه عنه مرفوعاً

محمد بن عبد الله بن علاثة وحديثه عند الدارقطني (53) والسند إليه واهي فإن فيه عمرو بن الحصين

قال الخطيب البغدادي في رده على الأزدي في شأن ابن علاثة _ كما في تهذيب الكمال وفروعه _ :" أفرط الأزدي في الحمل على بن علاثة وأحسبه وقعت له روايات لعمرو بن الحصين عنه فنسبه إلى الكذب لأجلها والعلة في تلك من جهة عمرو بن الحصين فإنه كان كذاباً "

ورواه عنه موقوفاً
1- يحي بن أيوب
2- بكر بن مضر
3- الليث بن سعد
قال ابن عبد البر في التمهيد (23/191) :" حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال وأخبرنا الليث بن سعد وبكر بن مضر قالا أخبرنا عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن هرمز قال سمعت أبا هريرة وهو في المصلى يقول من قدر على سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا
قال أبو عمر الأغلب عندي في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة والله أعلم "

وقد رجح الدارقطني الرفع في العلل

فقد جاء في العلل ما يلي :" س 2023 وسئل عن حديث الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان له مال فلم يضح فلا يقرب مصلانا
فقال يرويه عبد الله بن عياش القتباني واختلف عنه فرواه زيد بن الحباب

ويحيى بن سعيد العطار عن عبد الله

بن عياش القتباني عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ورواه عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا أيضاً وهو الصواب "

قلت : والتعويل عندي في الترجيح على رواية عبيد الله بن أبي جعفر فإن عبد الله بن عياش القتباني الراجح فيه الضعف - وإن كان الرفع عنه أقوى -

فقد ضعفه أبو داود والنسائي وأبو حاتم وقال ابن يونس :" منكر الحديث " وهذا تضعيف شديد

وذكره ابن حبان في الثقات وأفاد صاحب التذييل على تهذيب التهذيب أن ابن معين قال فيه :" لا بأس به " وهذا التعديل المنخفض لا يقوى على معارضة قول الجمهور

وأما عبيد الله بن أبي جعفر فثقة وقد علمت أن الرواية المرفوعة عنه واهية فلم يبق إلا الرواية الموقوفة ولننظر في رواتها واحداً واحداً

فأما عبد الوارث بن سفيان فمن كبار شيوخ ابن عبد البر وأجلهم وله ترجمة وافية في الصلة لابن بشكوال

وأما شيخه قاسم بن أصبغ فحافظٌ معروف غير أنه تغير في آخره كما أفاد ابن الفرضي في تاريخ الأندلس ولذا ذكره الحافظ في اللسان وقد ذكر عن القاضي ما يدل على أن المقصود بتغيره الإختلاط والخرف

قال ابن حجر :" قال القاضي عياض في الإلماع: كان يحدث وقد أسن ونيف التسعين وتنكر شيء من حاله فمر يوما في أصحابه فلقيهم حمل حطب على دابة فقال لأصحابه: تنحوا بنا من طريق الفيل فكان ذلك أول ما عرف من اختلال ذهنه وذكر قبل موته بثلاث سنين "

وذكر السيوطي في تاريخ الحفاظ أنه امتنع عن الرواية في حال تغيره ولم أر أحداً سبق السيوطي لهذه الدعوى

وروايته هنا اعتمدها ابن عبد البر فلعلها قبل اختلاطه غير أنه يعكر على هذا أن ابن عبد البر لما ترجم له لم يذكر شيئاً عن اختلاطه فكأنه لم يبلغه

وأما محمد بن إسماعيل الترمذي فهو محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي ثقة حافظ معروف

وأما ابن أبي مريم فهو سعيد بن الحكم الثقة الحافظ المعروف
وأما الثلاثة الذين رووا عن الأعرج فيكفينا منهم الليث فكيف إذا انضم إليه غيره ولكن الإشكال في وجود قاسم بن أصبغ في السند ولكن ذكر الترمذي _ فيما ذكره عنه البيهقي _ لرواية عبيد الله بن أبي جعفر يدل على أن لها أصلاً عند المشارقة أيضاً وعليه تكون الرواية محفوظة إن شاء الله

ويكون الراجح الوقف على أبي هريرة كما رجحه الترمذي وابن عبد البر والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم