الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد رأيت تعليقاً لبعض مدمني التشغيب يقول فيه أن الصلاة على أهل البدع
الأصل فيها االمشروعية ، قياساً على قولهم ((صلوا خلف كل بر وفاجر)) فدل على أن الأصل
في الصلاة خلف أهل البدع المشروعية
ومثل الصلاة خلفهم الصلاة عليهم،
وعلق بعضهم واصفاً مذهب أهل السنة في ترك الصلاة على دعاة البدعة أو المبتدعة، إذا
وجد في المسلمين من يصلي بأنه مذهب الحرورية !
وهذه مقدمة فاسدة ونتيجة فاسدة
فتنزيل قولهم ( صلوا خلف كل بر
وفاجر ) على المبتدع الذي يمكن الصلاة خلف غيره وليس إماماً أعظم غلط بينه شيخ الإسلام
ابن تيمية، فقد سئل شيخ الإسلام عمن يجوز الصلاة خلف من يأكل الحشيشة ويحتج بحديث صلوا
خلف كل بر وفاجر
فقال الشيخ كما في مجموع الفتاوى
(23/ 358) :" وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ : ((تَجُوزُ الصَّلَاةُ
خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ)) فَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ لِوُجُوهِ
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ
لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ فِي سُنَنِ
ابْنِ مَاجَه عَنْهُ ((لَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسَوْطِ
أَوْ عَصًا)). وَفِي إسْنَادِ الْآخَرِ مَقَالٌ أَيْضًا .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ
وُلِّيَ وَإِنْ كَانَ تَوْلِيَةُ ذَلِكَ الْمُولَى لَا تَجُوزُ فَلَيْسَ لِلنَّاسِ
أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ أَوْ تَصِحُّ
الصَّلَاةُ خَلْفَهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْأَئِمَّةَ
مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي
صِحَّتِهَا
فَقِيلَ لَا تَصِحُّ . كَقَوْلِ
مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا .
وَقِيلَ : بَلْ تَصِحُّ كَقَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَنَازَعُوا
أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ ".
وموطن الشاهد أن شيخ الإسلام نص على اتفاق الأئمة على كراهية الصلاة خلف
الفاسق ومثله بل أولى منه المبتدع ، إذا أمكن الصلاة خلف غيره ، ولم يكن الإمام الأعظم،
والكراهية هنا يبدو أنها للتحريم بدليل أنها قرنت بعدم الصحة في قول بعض الفقهاء وهذا
لا يكون إلا في كراهية التحريم، وهذا يدل على الأصل في الصلاة خلف أهل البدع ، أن مفسدتها
راجحة أو أن مصلحتها غير راجحة، فإذا أصر المعترض على قياس الصلاة على أهل البدع ،
على الصلاة خلفهم لزمه القول بأن الصلاة على أهل البدع مكروهة باتفاق الأئمة، بل إن
ترك الصلاة عليهم بعد موتهم أولى من ترك الصلاة خلفهم من وجوه:
أولها : أن صلاة الجماعة فرض عين ، وأما صلاة الجنازة ففرض كفاية.
ثانيها : أن صلاة المأموم في جماعة يراعي بها في المعنى الأكبر مصلحة نفسه
، وأما صلاة الجنازة فيراعى فيها ابتداءً مصلحة الميت ، لذا كانت فرض كفاية.
قال أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام وأهله 939 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مُحَمَّدِ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَصْلِهِمَا قالَا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ أَحْمَدَ الْجِرْجَانِيّ لولو حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّرْسُوسِيُّ قَالَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ (مَنْ شَهِدَ
جِنَازَةَ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ).
وفي السند إلى سفيان من لم أعرفه ، ولكن الشاهد أن الهروي أورد هذا الأثر
واقره فهل هو على مذهب الحرورية ؟!
وقال البربهاري في شرح السنة 130 - وقال الفضيل بن عياض من جالس صاحب بدعة
لم يعط الحكمة.
وقال الفضيل بن عياض لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة
وقال الفضيل بن عياض من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه وقال
الفضيل بن عياض من جلس مع أصحاب بدعة في طريق فجز في طريق غيره
وقال الفضيل بن عياض من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ومن تبسم
في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز و جل على محمد صلى الله عليه و سلم ومن زوج
كريمته مبتدع فقد قطع رحمها ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع، وهل
البربهاري الآخر على مذهب الحرورية ؟!
وقال حرب الكرماني في عقيدته التي قال في أولها : هذا مذهب أئمة العلم
وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء
أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها،
أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق".
قال حرب : ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع، ولا الصلاة على من مات منهم.
وأي عيب لمذاهب الأئمة أكبر من أن تجعلها مذاهب للحرورية ؟!
وأين شروط الدكتور إبراهيم الرحيلي لتطبيق هذا ، وهؤلاء المحدثون يبدو
أنهم كلهم عند القوم حرورية ؟
وقال ابن قدامة في المغني (2/416) :" وَقَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْبِدَعِ
لَا يُعَادُونَ إنْ مَرِضُوا، وَلَا تُشْهَدُ جَنَائِزُهُمْ إنْ مَاتُوا. وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ".
وقال صاحب متن كشاف القناع عن متن الإقناع (4/ 377) :" ( قَالَ )
الْإِمَامُ ( أَحْمَدُ الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ
أَهْلُ الْبِدَعِ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تُصَلُّوا
عَلَيْهِمْ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ
الصَّلَاةَ بِأَدَقِّ مِنْ هَذَا ، فَأَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ الصَّلَاةُ بِهِ وَلِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إنَّ لِكُلِّ
أُمَّةٍ مَجُوسًا ، وَإِنَّ مَجُوسَ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ ، فَإِنْ
مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَيَأْتِي قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَاتِ وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ
الدَّاعِيَةُ ، وَغَيْرُهُ فَاسِقٌ".
وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/266) : وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْعُتْبِيِّ
قَالَ: سُئِلَ سَحْنُونُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَهْلِ اَلْبِدَعِ الْإِبَاضِيَّةِ
وَالْقَدَرِيَّةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ؟
فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ عَلَى هَذَا
اَلْوَجْهِ، فَأَمَّا إِذَا وُقِفُوا، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، فَأَرَى
أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِغَيْرِ صَلَاةٍ.
فلم يشترط شرطاً سوى وجود من يصلي عليه من المسلمين ، فإن وجد من يصلي
كان للمرء أن يمتنع من الصلاة عليه دون تأثيم وبدون قيود أخرى كالتي ذكرها الدكتور
إبراهيم وناقشتها في مقال مستقل.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم